تعد ظاهرة التطرف الفكري من أبرز قضايا المجتمعات المعاصرة فهي تعني الاقصاء وعدم تقبل الآخرين سواء في أفكارهم أو معتقداتهم طالما تخالف آرائهم و توجهاتهم, وقد تصل إلى اعتماد النظرة الدونية وأساليب التعامل التهجمية تحت شعار (إن لم تكن معي فأنت ضدي) وتعود جذورها إلى عوامل التنشئة الاجتماعية كونها ظاهرة تؤثر وتتأثر بالعوامل والظروف المحيطة.
يعدان التطرف والعنف وجهان لعملة واحدة كونهما يجسدان نهج الإقصاء ومحاربة الآخر وهذا ما نشاهده على الصعيد السياسي المتمثل في تعدد الانقسامات بين أفراد المجتمع الواحد وفقا لتباينات فكرية واعتقادات غير منطقية قد لا تمثل الهوية الوطنية نتيجة ما غرس في العقول وتشبثت به الأذهان على مر السنوات ونحاول الآن إصلاحه وضبط تبعاته ولكن لا يصلح الزمن ما أفسده الدهر.
من صور التطرف الفكري الابتذال في الخطاب الديني من قبل الذين يمارسونه بمعزل عن ضوابطه الصحيحة، وأهدافه النبيلة، ما يتسبب في وقوع بالغ الضرر على مستقبل الأوطان وأمنها وصلاح أفرادها .حيث إن الخطاب الديني الصحيح يجب أن يكون بعيدا عن الابتذال أو التحريف أو التأويل. لأنه في جوهره يهدف إلى إيصال ما شرعته مبادئ الدين الإسلامي إلى الناس بالأسلوب الأمثل محققا لهم الصلاح واستقامة الحال فهو خطاب متكامل يلامس الفطرة قبل العقل وينير الوجدان ليسمو بالإنسان.
وتعد أيضا الطائفية أحد صور التطرف الفكري والتي ينتج عنها صراعات على الصعيدين السياسي والاجتماعي، مما يؤدي إلى تهديد استقرار المجتمعات بشكل عام ومؤسساتها بشكل خاص. و يرى بعض المفكرين أن الطائفية لم تشكل أزمة في قديم الزمن، بل تعد من مصادر قوة واجتهاد علماء الأمة، ومانعا منطقيا للتفرقة والانقسام، وذلك لما خص الله به هذه الأمة من سمات التجدد والتفكر بفضل العلم والمعرفة.
ما نحن بحاجة إليه في ظل وجود هذه الظاهرة هو السعي إلى إيجاد ما تتفق عليه الأطراف المختلفة بما ينعكس على واقع مجتمعاتنا بنهضة حضارية فكرية تتقبل الآخر وتدافعه عنه وتصون كرامته وتحفظ حقوقه من منطلق ما تقره الفطرة الإنسانية دون أي اعتبارات أو مصالح . قال الله تعالى: (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64] فليكن أساس مبدأ التعايش مع بعضنا البعض من اجل من نحن له موحدين وبعظمته مؤمنين، ومن اجل أوطان تنهض بنا وترتقي، ومن اجل حياة إنسانية ترتكز على الخير والفضيلة.
Leave a Comment