“النجدي” للأستاذ طالب الرفاعي. رواية توضح دور الأديب والكاتب في المجتمع وقدرته على تحويل الغياب إلى حضور؛ بالاستسلام لغواية طرقات الفكر والوجد لتخليق الجمال والإبداع من أحضان مجاهيل غابت ولحظات انصرمت وتوثيق أحداث مفصلية في النفس البشرية أو الجمعية الإنسانية والخوض في مساربها. “النجدي” ترتحل إلى زمان آخر تستحضر اللاوعي والمسكوت عنه والمنسى والمهمل إلى الوجود المادي في جسد ملموس معاش له القدرة على التواصل والتخاطب مع الماضي والحاضر والمستقبل والنفاذ إلى مغيب ووري النسيان. تتحد الروح مع أرواح أخرى تتماهى معها في طاقة لا مرئية تحلق حولنا، تشافه، تناجي وتحاور من خلال وسيط يتلقى الإشارات التي تطير في الفضاء بالتلقين أو المحاكاة أو الانتقال أو الإلهام فيستحضر الأستاذ “طالب الرفاعي” الدلالات من خلال إحالات الرموز وارتحالات الأفكار للتفسير والتقييم والتدوين والتشكيل وتصفيد الشتات والبعثرة في بنية تفاعلية متجانسة ترفع الهوامش وتعيدها إلى المتون بانية كينونة تعيدها إلى الحياة تشق طريقها من جديد إلى الخلود أو الفناء مبدعاً أسطورة أو واقع أسطوري. تحيلنا النجدي إلى العطش الوجودي والقلق الناتج عنه واحتياجات النفس البشرية وارتحالها الدائم عبر فضاءات الزمان أو تحولات المكان ورغبات النفس البشرية والشوق والتوق من خلال الولوج في ذوات مغلقة وحكايات كساها صدأ الزمان وغطاها غبار الأيام، لتبرز قوة النفس البشرية وقوة الكلمة لبطل الرواية وكاتبها، حيث يمثل “علي النجدي” ذلك النزاع الإنساني وتحولات الحياة من خلال التفكير والتذكر والبحث والصراع مع الطبيعة وطرح التساؤلات والسعي وراء الوضوح البصري والعقلي والروحي وتطويع الأحداث لتحقيق الرغبات سعياً خلف الوجد والصوت الداخلي من خلال شواهد في الذاكرة تركت انطباعات وبنت استنادات تتشبث في الذهن وتدير الأفعال تصدر عن الطبيعة الخاصة لعقل كل فرد وثقافاته وعاداته وظروفه وخارطته الذهنية. رحلة علي النجدي في البحر هي رحلة الحياة وسخرية القدر كما يقول البعض، تبينها لنا الرواية التي أبدع الأستاذ “طالب الرفاعي” في سبك سردها، حيث بدأها بهدوء كصفحة بحر ساكنة، ثم سار بنا قريباً من الشواطئ، ورويداً رويداً أدخلنا إلى لجة بحر تضربه عاصفة هوجاء تطيح بثبات القارىء وتتسارع أنفاسه كما تتسارع الأحداث. النجدي رواية رائعة.
Leave a Comment