قبل البدء في تحليل البنيوية والأسلوبية في رواية “كل الأشياء” للأستاذة بثينة العيسى سنسرد مدخلاً تاريخياً للعلاقة بين الأدب والمجتمع والسلطات والتي تعتبر الفكرة الرئيسية للرواية، حيث يلعب الأدب دوراً مهماً في بناء الوعي المجتمعي وفهم الذات وإدراك العلاقات الانسانية بين الفرد والفرد أو الفرد مع ذاته أو بين الفرد والمؤسسات والسلطات؛ سواء كانت قانونية أو معتلة مهيمنة عن طريق مراكز القوى والنفوذ التي تؤثر على الوعي الجماعي أو الفردي، ليكون الأدب خطاباً للفكر الانساني بانياً كياناً خاصاً به جعله يزاحم السلطات الموجودة في المجتمع متغلغلاً في الروح الانسانية التي منحته الصلاحية والسلطان حتى اكتسب هيبة وقدرة وقوة تخافه القوى ما جعلها تحاربه لإسكات صوته بمختلف الإجراءات؛ قمعية أو مسايرة للقيادة بعد ذلك، فاكتسب الأدب كينونة مرنة في المجتمع تمكّنه من الاستمرار عزّزها بالكثير من الأدوات ومنها الرمزية، لتكون له اليد الطولى ويفوز بنفوذ وملك كبير إلى أن زرع في عقول البعض قدسية النص الأدبي والخوف من تحليله ونقده أو محاكمته ليمس بذلك الوجود الإنساني الذي منح الحياة للأدب من الأساس، فالقراءات والنقد تكوين أدبي أيضاً ووجود يقوّم المسار الإنساني ويفصح عن مكنونات النص الإبداعي ومساربه الخفية. تشكّلت الرواية كجنس أدبي له هيئة خاصة وقالب يساعد في وصول الخطاب، ما يتطلّب جسداً محكماً وسرداً متيناً مضبوطاً مترابطاً يساعد في تحقيق الأهداف والمقاصد بحس جمالي مكيّفٍ للنضوج بالإنسانية يخاطب العقول والأرواح بسلاسة ودفق حكائي لا ينقطع على القارئ ممهداً لتحقيق التأثير من خلال تطويع الفكر أو الأيديولجيات في الخطوط السردية المتوازية والمتقاطعة بتوازن وضبط لإيقاع انحناءات وتمفصلات السيرورة الخطابية بانسجام بين الذات المبدعة والخلق الروائي، صوت الراوي في رواية “كل الأشياء” خارجي عليم، اعترض الدفق الحكائي في النص عدم ثبات الصوت وتغيّره طوال العمل مؤثراً في الإتقان السردي ليتشتّت نسيج الـُمنجز ويتشظّى الصوت متحولاً بغير علة أو مسوغ من عليم مبصر ببواطن النفوس وحوارات الذات إلى سارد فقط للأحداث موضحاً لها ينقلب في الفقرات نفسها أو من واحدة إلى أخرى أو في فصول كاملة كما حصل في الفصل السابع وما بعده من غير توليفة متوازنة أو انتقالات مقدرة وهذا يتضح أيضاً من تغير الصوت الروائي من الماضي إلى المضارع إلى المستقبل كما في صفحة 46 أو 108 ما خلق ثلماً أثرت في لحمة العمل وحسنه وصنع رأباً سمح لصوت الراوي أن يغلو في شططه ويحدث البطل كما برز في صفحة 22 على سبيل المثال أو يقطع السرد بوضع نقاط ليستشف القارئ المقصود كما في صفحة 59 أو 73 أو أن يتم التركيز على جملة ما بصوت الراوي بأن يضعها بين قوسين كما في 128. وما أثر في نظم العمل عدم مألفة الحوارات في الرواية كلها، حيث تنوعت واختلفت من غير سبب واضح أو قصدية منطقية يستشفها القارىء، فتنوعت من حوارات متوافقة مكملة للسرد أو حروف مائلة وأحياناً يتم وضعها بين أقواس أو تسبق بكلمة قالت وفي أوقات أخر تنهى بها أو تتموضع في سطور لوحدها واختلاف العلامات من الـ : إلى ال ؛ أو الـ ، وقد يتم أغلب ذلك في فقرة واحدة ليمزق النثر وينثر التمزيق باختلاف الحوارات من الفصيحة إلى العامية كما في صفحة 33 أو 49 أو 271، وتحول بعض فصول الرواية إلى حوارية وبرزت في الفصل الثالث على سبيل المثال. وهناك خلل في تطويع اللغات المستخدمة إذ يذكر بأنه قد كتب بالإنجليزية أو تحدث بالإنجليزية ويتم إيراد نص عربي كما في صفحة 71. كما أنه كانت هناك إشكاليات في الزمن كما في صفحة 151 من أنه قد حدث أمر غريب قبل الحادث بأسبوع أو عشرة أيام وفي نفس الفقرة أنها تغيرت بعد ثلاثة أشهر حيث أن الحادث قد أدى إلى وفاتها إلا إن كانت الكاتبة قد أرادت الحديث عن حادث آخر وأثرت كلمة (الحادث) في السكب السردي ما يطرح التساؤل، وبخصوص الأحداث فإن هناك نقاط لا تزال غامضة على القارىء كما حدث مع مرتكب الحادث ومعرفة كنه الشخصية أو كالقفزة التي حدثت في صفحة 274 من كيفية معرفة بطل الرواية للنادي. وهناك ثلمة في بناء الشخصيات تتضح في صفحة 102 بخصوص تغيّر الشخصية التي لا تهتم بالأسماء للبحث عنها من غير تبيان للسبب الذي جعله يفعل ذلك أو عدم منطقية صوت الراوي كما يبين في صفحة 110 من خلال صوت الراوي الذي يتحدث فيه نيابة عن البطل بأن الوطن وأبيه قد رفضوه (طوال عمره) على الرغم من عدم منطقية الأمر ولا ننسى ذكرياته مع الأب في رحلات الصيد.